قالوا دمعت فقلت الدمع من رمد |
والعين ما دمعت إلا على الكمد |
كأن في كبدي رقطاء تلسعها |
كأنما زفرات النار في كبدي |
قد كان لي جلد أحويه مقتدراً |
فاليوم عيل فلم أقدر على الجلد |
فكيف أحوي التجلد |
وأطيق التشدد |
والقي التبلد |
واخفي التوجد |
مع هذه الفجيعة الوجيعة الشنيعة |
الفضيعة تزلزل ركن الأحكام |
وانهد جبل الاسلام |
وانطفى علم الأعلام |
ذبالة الظلام |
وقدوة أهل الاسلام |
خرَّت سقوف سموات الهدى وهوت |
لما تزايل عنها منكب العمد |
قاضي القضاة سمي المصطفى أفلت |
عنا محاسنه في باطن الجدد |
فالدمع منسكب والصدر مكتئب |
والظهر منقضب إذ زال معتمدي |
غاب الوجه الصبيح |
واللسان الفصيح |
والنسب الصريح |
والعقل الصحيح |
أخو الحسب الكريم |
والمروءة والخيم محمد بن إبراهيم |
محمد بن إبراهيم |
من كان يكهف الضعيف |
ويكلأ اللهيف |
ويكنّ المشغوف |
من كان محتملاً للكل منتقلاً |
للثقل منتصلاً في العدل كالأسد |
من كان يحكم بين المسلمين ولا |
يخشى له أحد ميلاً على أحد |
من كان أرأف بالأيتام والضعفا |
من أمهاتم البرات بالولد |
قد كان بالحق قاضياً |
وإلى الخير داعياً |
وفي اللّه معادياً
|
فخلت مشاهده |
وخوت معاهده |
وعفت واللّه مقاعده
|
فما كان أوفاه بالذمام |
وأقدمه عند الزحام |
وأغلظه على الطغام
|
ما كان أصلبه غلظاً على السفها |
ما كان ألطفه بالاخوة الودد |
ما كان أعلمه ما كان أحكمه |
ما كان أحلمه يا ليت لم يبد |
ما كان أرجح ميزان الزمان به |
خف الزمان لموت العالم النجد |
لقد خف الزمان |
وزايله الرجحان |
وحل به النقصان |
لما انكف بدره |
وخمد ذكره |
وهتك ستره |
لمصرع الفيلسوف المنتخب |
قاضي العجم والعرب |
لقد سرت نحو عرّاس تشاكهه |
في العلم أو فيصل في الحكم لم تجد |
لما نعاه ضحى ناعيه قلت له |
أنع العلوم كما تنعاه في البلد |
قد كنت أغرف من بحر العلوم فما |
أصبحت مقتدراً منه على المدد |
غاب بحر العلم ودرس رسم الحكم |
ودرس رسم الحكم |
وعفي منهج الفهم
|
فيالها من رزية ما أعظمها |
ومن بلية ما أفجعها |
لوفاة قاضي القضاة
|
بمن بعده يقتدي |
ومن بهديه يهتدي |
انقطع واللّه مددي |
وقلَّ جلدي |
من ذا ألوذ به أو من أقلده |
أمر الخليقة أو من لي بملتحد |
أو من أرد إليه المبهمات إذا |
لم أدر أين طريق الغيّ الرشد |
أو من أقرعه بالحادثات إذا |
رأت علي ذيول الشعت والنكد |
ذهب واللّه السيد |
واضمحل المعهد |
وزال المعتمد
|
فقلبي مدهوف |
ووجهي مكشوف |
وظهري مقصوف
|
فيا لهفاً لمصابه |
ويا أسفاً على ذهابه |
ويا فقداه للذيذ خطابه
|
لهفي عليك أبا قيس وليس أرى |
لهفي عليك بمنفك مدى الأبد |
لهفي عليك لقد أورثتني حزنا |
ما عشت بعدك يا ركني ومعتمدي |
لهفي لقد شمت الحساد وابتسموا |
وعاينوا ورأوا ما ذاب من جسدي |
رمتني الخطوب |
ودهتني الكروب |
واكتنفتني الشغوب
|
وطال عناي |
وكثر بكاي |
وظهر بلاي
|
حين شمت الحسود |
وضحك الحقود |
وفرح العنود
|
يا أيها السفها لا درِّ دركم |
فيما الشماتة مهلاً يا أولي الحسد |
أما المنون فما حيٌّ بمعجزها |
من لم تزره غداً زارته بعد غد |
أيضاً وما سكن الأجداث عالمنا |
حتى أغاظ وأقمى كل مرتدد |
مهلاً يا أولي الحسد |
فإن المنون بالمرصد |
لكل والد وولد
|
ليس عنها مفر |
ولا دونها محجر |
ولا ينحبي منها وزر
|
بل الكل إلى الممات |
وصائر إلى الفوات |
فعلام أم من الشمات
|
أم تحسبون بأنّا لأننا لكم |
إذ مات نترك حرب الكاشح الحرد |
إنّا لنوشك أن تزداد غايتنا |
عن عابر عرصات الغور والنجد |
فينا القضاة وفينا القادة الخطبا |
والكاتبون وفينا كل منتجد |
شد اللّه في الحق إزرنا |
وأعقبه نصرنا |
وعظم في القاضي أجرنا
|
وأحسن فينا بعده الخلف |
وأسكنه بفضله الغرق |
وألهمنا حفظ ما ألف
|
فأثاره زاهرة |
ومآثره ظاهرة |
وحجته باهرة
|
نقفوا سبيل أبي قيس ونحفظ ما |
أوصى به ونعادي كل ذي عند |
واللّه يغفر بالاحسان ذنب أبي |
قيس ويسكنه في جنة الرغد |
بين الخلائق في حور منعمة |
مثل الشموس تلالاً وضح خرد |
غفر اللّه ذنوبه |
وغسل حوبه |
وستر اللّه غداً عيوبه
|
ألحقه اللّه بالصالحين |
وأحله اللّه في عليين |
أحسن اللّه فيه عزاء المسلمين |
والحمد للّه رب العالمين |
إنا للّه وإنا إليه راجعون |
وصلى اللّه على رسولنا الأمين |
فيه العزاء إلى الاسلام ثم إلى |
من رام نصرته للواحد الصمد |
والقائمين بما أوصى الإله به |
والسالكين سبيل المصطفى النجد |
صلى عليه وحياه وأكرمه |
باني السماء وملقيها بلا عمد |